حاربت الأنظمة الاستبدادية السخرية والضحك بدعوى أنهما لا يعترفان بالخطوط الحمراء التي يشيدها الأمنيون الذين يفضلون شعوبا عابسة خانعة وعاجزة عن طرح أسئلة حول واقعها ومعاناتها. وقد عجزت هذه الأنظمة عن توفير أداة وحجج مقنعة لتبرير منعها للساخرين وتحديد نوعية المخاطر التي يشكلونها على الأمن العام، وغالبا ما يُصدرون قرارات المنع المكتوبة نادرا والشفوية غالبا ثم يركنون إلى الصَّمت مساكين هم المانعون والقامعون الذين يحاولون عبثا التصدي لسيل السخرية التي تملك خاصية الانتشار السريع متحدية «نقط المراقبة» والحواجز المنصوبة في مداخل المدن والقرى. فالسخرية هبَة وهدية سخية للإنسان من أجل مداواة جروحه وإعلان رفضه وتحدي الجبروت والظلم بكل صوره. السخرية تواجه الهيبة السلطوية المزيفة و«تُعرِّيها» لتكتشف العصافير أن الفزاعات مصنوعة من القش والتبن والخرق البالية. وهي ملجأ للإنسان المستضعف حين يسود الطغيان، ونجاعتها تكون غالبا أقوى من كل الخطب المصنوعة عند أمهر النجارين ومن الخطب التنويمية والأقراص المهدئة التي توفرها الأنظمة الاستبدادية بسخاء لشعوبها عوض توفير الخبز والكرامة. مساكينُ كل هؤلاء المانعين العاجزين عن تبرير إجراءات المصادرة والحصار لإبداع اسمه السخرية سواء كان هذا الإبداع كتابا أو عمودا في جريدة أو أغنية أو مسرحية، لن يستطيع أي ديكتاتور هزم الضحك. وأود هنا أن أهبَّ لنجدتهم وإسعافهم بـ»مقولة علمية» يبررون بها منع الضحك على أساس أنه مضر بالصحة. لذلك أنصح المانعين أو الذين يبررون المنع ويهاجمون السخرية عوض أعدائها، بأن يطلعوا على نص قصاصة إخبارية عممتها منذ أيام قليلة وكالة «يونايتيد برس أنترنشيونال» مفادها أن «دراسة أسترالية حديثة أظهرت أن الضحك قد يسبب أزمة الربو (الضيقة) للأشخاص الذين يعانون من هذا المرض مضيفة أن «40 في المائة من الأشخاص المصابين بالربو في استراليا يعانون من أزمات بعد أن يضحكوا». يحدث هذا في أستراليا. أما في بلادنا التي يعاني مواطنوها من مختلف أنواع الأوبئة والأمراض السياسية (ضايقة عليهم الدنيا) فلم يحدث يوما أن صادفت مريضا بالربو يشكو من الضحك، بل إن الشكاوى تكون عادة عن العيشة الحارّة وظلم ذوي القربى. ومع ذلك فإنني أنصح المانعين المحليين بأن يتبنّوا الأطروحة الأسترالية حتى ولو لم تصح على المغاربة، إذ سيكفيهم فخرا أنهم منعوا السخرية المغربية حفاظا على صحة المواطنين الأستراليين!
أخــبــار مــــحـلــيـة - إقــلـيـمـيـة - جهويـــة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق