1. جلست على أقرب كرسي بجانب الباب لأستريح ، حاولت أن احتفظ على توازني حتى لا أسقط لان الكرسي قديم ومهترئ ، مربوط بسلك صدئ ، ربما أنه صنع قبل ولادتي . الطاولة هي أيضا اهترئت وتآكلت من شدة لعب ورق الكارطة . بدأت أعد ما تبقى في يدي من دريهمات بعدما خصمت منها جريدة الصباح التي لا يكتمل الفطور إلا بها وبراد شاي وبعض السجائر من التبغ الأسود . وضع (بوجمعة) الصينية بإطارها المكسر أمامي مشفوعة بصباح الخير الروتينية الباردة كعادته . المقهى فضائها صغير ، لكنها تعج بالحركة ، روادها يدخلون ويخرجون . قليل من يتناول فطوره فيها ، أغلبهم من الهومارة حاملي أكياس الفحم على الشاحنات لتسويقها إلى الأسواق البعيدة . " ماركيز…! ديتاي …! ماركيز…!" صوت رقيق يصدر من طفل بوجه ملائكي في عمر براعم الزهور ، في عقده الأول . رث الملابس ، ينط هنا ، ينط هناك ، يستدير ، يتقدم ، يتراجع ليضرب حجرة مبسطة برجله ، يلعب " الشريطة" مع أقرانه ثم يتركها بعدما يمل منها . يفتح ذراعيه لحياة متفتحة وجميلة في عينيه البريئتين . علبة السجائر قي يده الصغيرة كأنه حامل ثقل الحياة على كاهله الغض الصغير . اقترب من المقهى مشرئبا بعنقه النحيف إلى داخلها عله يصادف زبونا محتملا ليشتري منه ولو سيجارة واحدة يضيف ثمنها إلى الدريهمات التي بحوزته ليتغلب بها على قهر الزمان الظالم ، ويشتري بها مستلزمات الدراسة والباقي تكمله أمه التي تمتهن الدعارة بعد وفاة والده في حادثة شغل مفجعة بدون تعويض . لم يجرؤ على الدخول ، يقدم رجل ويأخر أخرى خوفا من ( بوجمعة) حتى لا يلطمه بصفعة . أومأت له برأسي ، هرول نحوي بخفة كأنه عثر على كنز ثمين ، قال لي وأنا منهمك في الكلمات المسهمة׃ - ˝ هاأنذا يا عماه ، ما تريده مني ˝قلت له׃2. ־״ ألديك البورحماوية يابني?״ 3. لم يجد في جعبته الصغيرة ما يجيبني به . احمرت وجنتاه الموردتان المغبرتان ، وقال لي مثلعتما׃4. ־״ لم أفهم ما تقوله يا عماه ، ماذا تعني بهذا الاسم الغريب ?!״5. قلت له׃6. ־״ الديك البورحماوية التي يسمونها (كازا سبور) ، انك لاتفهم شيئا على ما أظن ، إنها بنت البلد ، الم تسمع بأنها تصنع في قبيلة أولاد أبي رحمة القابعة في فقرها المدقع ?!"7. قال لي ، بعدما ازداد حوارنا أكثر حميمية ، وعلت الدهشة محياه الجميل-8. - " لقد كبرت يا عماه وبدأت تخرف !" 9. وأردفها بضحكة خجولة ، وتابع قائلا لي:10. -" خد لك ماركيزالسيجارة الحسناء بنت بلد الضباب . تزيدك حيوية ونشاطا ، فهي الأكثر رواجا ونكهتها أحلى من بورحماويتك هذه التي تتشبت بها . وانطلق هاربا خوفا من (بوجمعة) الذي مد يده الغليظة ليصفعه ، لكنه انفلت منه بأعجوبة ، وخرج راكضا من المقهى يردد لازمته التي اعتاد عليها :11. -" ديتاي …! ماركيز…! ديتاي…!".12. دخل الأعور ماسح الاحدية يشتم ويسب :13. -" تقو…! عليها حياة مصاب غير شي فيزا لطاليان" يضرب على صندوقته ومابه مسح الاحدية ،لان أحدية الهومارة البالية لا تصلح للمسح ، انه يعرف هذا جيدا ، انضم فوراالى بعض الهومارة . الصينية أمامهم والبراد إلا من حثالة بعض الكؤوس . يتناوبون على سبسي واحد ، يدخنون الكيف ، ينتظرون الذي يأتي ولاياتي ، يتحسرون على ماضيهم المزدهر في أيام الشباب حينما كانوا يمارسون (تقمارت) وهذا الاسم مشتق من القمر لأنهم كانوا يسرقون على ضوئه أعواد البناء وأكياس الفحم حتى اشتهروا بالقمارة . نفث الأعور ماسح الاحدية ما تبقى من دخان في السبسي ثم أردف قائلا׃14. - " لقد كانوا يسمونهم آل الكويت واليوم أصبحوا يسمونهم آل الشيشان… واحصر تاه ‼" . خرج الأعور يحدجه (بوجمعة) بعينيه محبلقا لأنه يشمئز منه لعدم جدواه فهو لا يشتري منه ولو كاس شاي واحد على الأقل - " ديتاي …! ماركيز…! ديتاي…!" ، رجع الطفل يلهث بعدما قطع الطريق جريا كادت أن تدهسه إحدى السيارات المارقة . فتح العلبة بسرعة ويده ترتجف لشدة الهلع . ناولني أربع لفافات من التبغ الأسود قائلا لي ׃ - " خد ثلاثة مقابل درهمك أما الرابعة فهي مجانا " . 15. اندهشت قائلا له ׃16. - " ومن أين لك كل هذا الكرم بابني …?!" 17. أجابني مستدركا ׃18. - " لا إنها ليست مجانا وإنما رشوة مني ، اطلب منك أن تكتب عني ، ألا ترى أن هذه البورحماوية غير مربحة مثلكم أيها المبدعون ، إنكم عديمو الجدوى . آه كم تهرقون من مداد على البياض دون جدوى . استدار إلى الخلف فارا من (بوجمعة) بعدما صفعه هذه المرة بقوة . ثم قال لي׃19. - " والى القصة القادمة ياعماه ولتصبح على البورحماوية "
أخــبــار مــــحـلــيـة - إقــلـيـمـيـة - جهويـــة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق