الأستاذ محمد الحاضي ، مشرع بلقصيري .
قال لي أحد الأصدقاء " ألم تر كيف فعل الزمن السياسي المغربي بأصحاب الإتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية.؟ ألم يجعلهما يبكيان ،اليوم،من عين واحدة ؟ هذا القول ،لا يبتغي،طبعا ،من الاستفهام غير الإقرار والتأكيد..عدا عن المسحة الساخرة التي يصدر عنها..سيما وهذا الصديق يخبر جيدا تعاطفي مع حزب الإتحاد الاشتراكي حد أنه يستخدم معي تلك المقولة الأثيرة محورة إلى "أنت اتحادي أكثر من الاتحاديين.."(وهي على كل حال تهمة أعتز بالتمادي في اقترافها..)،كما خبر ،أيضا ،صدق وحماسة مساهماتي النقدية لخطاب العدالة والتنمية في كثير من غارات خصومة هذا التنظيم (حتى لا نقول عداءه)للإتحاد الاشتراكي خلال العشرية الأخيرة.. لا يهم،الآن هنا ،على الأقل من الناحية الأخلاقية ،التذكير بالحروب السجالية المريرة التي دارت بين الطرفين..،كما لا يهم التذكير بتصريحات بعض قياديي وأطر الإتحاد الاشتراكي،حتى وقت قريب،في شأن استحالة تحالف الحزب مع العدالة والتنمية.مبررات تلك الحروب وتلك الاستحالة كانت وما تزال تكمن ، ببساطة ،في تناقض المرجعية والأهداف السياسية للحزبين .ومن بلاغة هذا التحول إلى التحالف،اليوم،تمتح ،إذن،سخرية الكلام المأثور (ومعه سخرية ذلك الصديق):"فلان وعلان أمسيا يبكيان من عين واحدة " .
و على كل حال، فبكاء الحزبان من عين واحدة،هذا الذي تراءى إلى صديقي اليوم ،ليس عندي مرادفا للسكون والاستسلام أمام "كيمياء الأمر الواقع للمغرب السياسي ". ها أنني أعترف بهذه الكيمياء المغربية الخاصة ،من تكون ؟ وهل هي التي تكون قد أنزلت بزولة الرحمة والتودد بين الحزبين...؟ لا أنكر أنني استجبت،وإن بحرارتي الدنيا،إلى هذا التحول مستسيغا أو مبررا أو منفعلا بأثر وجدان التعاطف وليس بعقلي السياسي..على الرغم مما يبدو في هذا التعليل من نقيصة،ليست لي وحدي على كل حال، إذ كان رأيي سيكون مغايرا بالتأكيد ،لو استمر الحزبان في قطيعتهما المتبادلة. وإذ ذاك كان سيكون للسجال بينهما ،مثلا، حول رواية"محاولة عيش "للمرحوم محمد زفزاف مذاقا آخرا. قبل العودة إلى " كيمياء الأمر الواقع.."، يهمني أن أشير بالأصبع الإيجابي إلى نقطتين:
ـ الأولى ، هي عدم تبوؤ هذا التحالف صدارة الخصام الشخصاني والتنظيمي والسياسي داخل أجهزة الإتحاد الاشتراكي (التي لا ينقصها الخصام أو لنقل الصراع والاختلاف )أو هكذا أظن . وأتمنى اليوم وغدا.. .
ـ الثانية ،وقد سجلها كثيرون قبلي ،هي هذا التحول الملحوظ في تنظيم العدالة والتنمية من الطائفة إلى الحزب ؛ أي من السياسة القائمة على حدود ومطلقات الدعوة والشريعة إلى السياسة القائمة على الاحتمال البشري بما هو مصلحة وعقلانية ونسبية.هو تحول ما يزال جزئيا وفي بدايته ،ونأمل أن يترسخ أفقيا وعموديا في الحزب لما في ذلك من مصلحة على صيرورة التأهيل الديمقراطي ببلادنا..وعلى الصيرورة الإيجابية الفاعلة للحزب نفسه..إذ أن معضلة الإسلام السياسي ،في السياسة كما في الأخلاق ،ليست في عدم قبول الآخرين باختلافه ..ولكن في عدم قبوله باختلاف الآخرين..
كيمياء الأمر الواقع ،عندي ،هو هذه المفارقة والالتباس الحاكمان والمتحكمان في صيرورة المغرب السياسي منذ الاستقلال (وقبله طبعا)والكابحان ،من ثمة ،للاستواء والاشتغال السياسي الطبيعي لتمثيلية التعددية الحزبيةـ السياسية في الحكومة كما في الجهات والجماعات المحلية.من هنا ، قوة ودلالة وانعطافة مفاهيم ووقائع مثل "التناوب التوافقي"و"الانتقال الديمقراطي".لما دخل الإتحاد الاشتراكي إلى تدبير الشأن الحكومي بالوزير الأول،الكاتب الأول للحزب الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي في مارس 1998 . ولما كانت السياسة هي علامة التحول القوية في هذا الدخول..فقد أمست (= السياسة) بالأسف ، هي كعب إخيل ..،هل نقول الخروج ؟ غير صحيح لحد الآن..هل نقول نهاية الانتقال الديمقراطي ؟ غير صحيح أيضا..حتى وإن صار لهذا الانتقال قبرا مجهولا بلغة ذ حسن طارق ذات مقالة جميلة..هل هذه الأغلبية التي ما تزال تدب في الحكومة حتى وقد بلغت من الوهن عتيا كسيحا أحالها إلى أقلية بالغرفة الثانية ..وبالمقابل فيتامينا صير المعارضة أغلبية..؟ نجازف بالرأي : نعم، هذا صحيح.لقد كانت هذه الأغلبية طبيعية ومقبولة ،في البداية،بمنطق التوافق الذي يؤهل إلى تناوب طبيعي مسنود بتمثيلية انتخابية حزبية متكتلة..متمايزة..هذا لم يحصل بالأسف خلال الانتخابات التشريعية ل2002 التي كدر مآلها السياسي : هل إلحاح حزب الاستقلال على "النوبة"على الوزارة الأولى حتى وهو في المرتبة الثانية ؟ هل استمرار الإتحاد الإشتراكي في الحكومة حتى وهو يحتج بعدم احترام المنهجية الديمقراطية..؟ هل إقدام جلالة الملك على تعيين وزير أول غير متحزب درءا لذيول الصراع بين الحزبين (أي الإتحاد والاستقلال) حتى والدستور يمنحه الحق والحرية في التعيين..؟ هل كل هذا مجتمعا ،متضافرا ؟؟ لست أدري.إنما مع نتائج الانتخابات التشريعية ل2007 ،يمكن فهم و تفهم غضب الإتحاد الإشتراكي على مرتبته المتراجعة ،وكأنه وحده من يجب أن يؤدي ،ذاتيا وموضوعيا وتنظيميا وفكريا..ثمن انتقال استحال معطوبا بفعل هذه الكيمياء المغربية الخاصة..ولعل من العلامات الإيجابية المسجلة لصالح المؤتمر الثامن للحزب هي نجاح الأخير في امتحان هذا الثمن ..ولو أنه نجاح من دون ميزة. لكن ظهور حزب الأصالة والمعاصرة (الوافد الجديد بالقاموس الاتحادي )،ثم الكوابيس السوداء التي صاحبت وتلت الانتخابات الجماعية ليونيو2009 أكدت للإتحاد الإشتراكي ،كما لغيره من الغيورين على هذا البلد ،مظاهر الردة والعبث و الاختناق في الحقل السياسي المغربي ..،ومع ذلك واصلت ،النية السياسية الحسنة للحزب ،اللعب في التشكيلة الواهنة للحكومة..(وهناك من يقول ،طبعا ،بفيروس النية في الإستوزار داخل بعض أطر الحزب ..وهذا رأي أختلف معه ..ومع ذلك أحترم الطوية السياسية النبيلة لأهله داخل الحزب..). وهنا ،يجدر بنا أن نتساءل : هل كان من داع جارف لتأسيس حزب الأصالة والمعاصرة (من الناحية السياسية وليس من ناحية أخلاق الحرية )،مع كامل احترامي لجمعية "حركة لكل الديمقراطيين"،غير عدم الثقة في أهلية فاعلي حركية المغرب السياسي اليوم كما بالأمس..؟ هل كان على جلالة الملك وعلى صديقه أن يحولا دون تاسيس حزب قد يدعو (ولقد دعا فعلا)إلى إثارة وبث الشك والتوجس والفرقة في واقع حزبي ـ سياسي لا نحسد على انحساره و تشظيه..؟ وفعلا ما هي القيمة السياسية التي أضافها هذا الحزب للمغرب السياسي عدا تجميع النخب ـ السائدة أصلا ـ بجاذبية المصلحة الخاصة..وبالتطلع الصادق أو المتملق إلى "الاستجابة "لصوت الملكية في شخص صديقها ،حتى مع تسليمنا التام بحياد جلالة الملك ،وحسن نية صديقه ؟ ألم يكن من الممكن ترك الحزبية المغربية الكائنة تصنع ـ بحرية لكن بصرامة مراقبة ليست بالعزيزة على إدارتنا الترابية ـ من يوافقها ويمثلها في تدبير المصالح اليومية للمواطن..وأما المصالح الإستراتيجية والمؤسساتية العليا للوطن فهناك ملك يحميها ؟
هذا برأيي هو مربط الخطأ في تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة..سيما وأن هذا الحزب انحاز في تكوينه إلى "وضع" أعيان المال والصناعة والبادية وبعض نخب اليسار في نفس القفة..ضد "خصم" لم نجرب لا فوائده التخليقية التي نتمناها كلنا..و لا مخاطره ومزالقه التي نملك زمام تفاديها..فهل بهذا الصنيع (أي تكوين حزب الأصالة والمعاصرة يمكن أن نفترض أن دولتنا تضمر عجزا فادحا أمام هذا الخصم الإسلاموي الكائن والمحتمل؟ لا أتمنى أن يصح هذا الافتراض..حتى مع تسليمنا بالخطاب المحافظ والمهادن للعدالة والتنمية اتجاه الملكية..ومع ذلك ،نتساءل هل تتوجس الدولة أكثر من المسكوت التقليداني لهذا المكون الإسلاموي المحافظ ؟ إن صح هذا التساؤل ،لماذا لا تنحاز دولتنا جهرا وتصميما إلى قوى التحديث والحداثة وهي وحدها (أي الدولة)من يملك السلطة الشرعية والمادية لحماية الوطن من جهالة ومجاهل التطرف الديني ؟ أم أن الأمر ،ببساطة،هو سلطة الوضع القائم لدولتنا التي ما يزال يصعب علي صيرورتها الفكاك من الازدواجية البنيوية لسلطانها على التقليد والتحديث معا..أو الأصالة والمعاصرة بصيغة أخرى..؟ ثم من غير سلطان الدولة بالقادر ،فعلا،على درء مضار التقليد..مع جلب وحتى ريادة منافع ومظاهر التحديث..؟سلطان مثل هذا لابد لشرعيته أن تكون قاهرة لإندفاعة التقليد والحداثة معا..وأن تكون شرعيته قاهرة لابد لها من الجمع بين كاريزما الدين والدنيا..المثال والتاريخ..هذا وضع قائم..كما هو قائم ،أيضا،قوى وعلاقات التقليد التي ما تزال عندنا كاسرة كابحة بالرغم من كل مظاهر التحديث..لهذا،ربما،ينوس حديث نخبتنا عن الإصلاح الدستوري بين مطلبي التغيير والتأويل..أو بلغة ذ عبد الله العروي بين "صراع على الدستور أم صراع في الدستور"..حيث يميل علمنا الكبير ،كما غيره من نخبنا الفكرية والسياسية النزيهة ،إلى مطلب التأويل الديمقراطي البرلماني أو الصراع في الدستور. متوخيا أن " يظل الملك مرجعا ضروريا ، لا كأمير بل كإمام ". أستطيع أن أعود لأستنتج أن دولتنا لم تكن في حاجة إلى هذا الحزب الجديد..إلا إذا كانت تنطوي على سوء الظن..أو سوء الفهم والتقدير..،وعليه كان يمكن نصح هذا الصديق المواطن النبيل بمنع تأسيس ما يحيل على الغيرة الزائدة على الملكية وكأنها كانت على مرمى حجر من تداعيها.تحالف الإتحاد الإشتراكي والعدالة والتنمية لتكوين المكاتب الجماعية لبعض المدن ـ بصرف النظر عن حسابات الربح والخسارة..بين الحزبين نفسيهما..ـ يبدو موضوعيا ،إذن،كآلية حزبية مغربية مناضلة ب"المعقول"..ولأجله..هذا التعبير الدارج الذي استخدمه ذ محمد الطوزي بشأن تحالف الحزبين لا يكثرت بالإيديولوجية و تمايزاتها ..حتى بالنسبة لذهنية الأصوات التي ساندت أو تعاطفت مع الحزبين..هل يصح هذا ؟؟ ثم هل خطر ببال هذه الأصوات أن مصيرها إلى التحالف بين خصمين لذوذين ؟؟
نتساءل ،رغم ما سبق، أو بسبب ما سبق..،هل تحالف الحزبان سيظل مرحليا جزئيا ..أم هو في بداية الطريق ليصير استراتيجيا كليا ؟؟ وهل يشكل هذا التحالف الجماعي الجزئي ،فعلا، حالة شاذة ومثيرة للاستغراب ،إذا استحضرنا الوقائع التي سبقته وتلته:
قال لي أحد الأصدقاء " ألم تر كيف فعل الزمن السياسي المغربي بأصحاب الإتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية.؟ ألم يجعلهما يبكيان ،اليوم،من عين واحدة ؟ هذا القول ،لا يبتغي،طبعا ،من الاستفهام غير الإقرار والتأكيد..عدا عن المسحة الساخرة التي يصدر عنها..سيما وهذا الصديق يخبر جيدا تعاطفي مع حزب الإتحاد الاشتراكي حد أنه يستخدم معي تلك المقولة الأثيرة محورة إلى "أنت اتحادي أكثر من الاتحاديين.."(وهي على كل حال تهمة أعتز بالتمادي في اقترافها..)،كما خبر ،أيضا ،صدق وحماسة مساهماتي النقدية لخطاب العدالة والتنمية في كثير من غارات خصومة هذا التنظيم (حتى لا نقول عداءه)للإتحاد الاشتراكي خلال العشرية الأخيرة.. لا يهم،الآن هنا ،على الأقل من الناحية الأخلاقية ،التذكير بالحروب السجالية المريرة التي دارت بين الطرفين..،كما لا يهم التذكير بتصريحات بعض قياديي وأطر الإتحاد الاشتراكي،حتى وقت قريب،في شأن استحالة تحالف الحزب مع العدالة والتنمية.مبررات تلك الحروب وتلك الاستحالة كانت وما تزال تكمن ، ببساطة ،في تناقض المرجعية والأهداف السياسية للحزبين .ومن بلاغة هذا التحول إلى التحالف،اليوم،تمتح ،إذن،سخرية الكلام المأثور (ومعه سخرية ذلك الصديق):"فلان وعلان أمسيا يبكيان من عين واحدة " .
و على كل حال، فبكاء الحزبان من عين واحدة،هذا الذي تراءى إلى صديقي اليوم ،ليس عندي مرادفا للسكون والاستسلام أمام "كيمياء الأمر الواقع للمغرب السياسي ". ها أنني أعترف بهذه الكيمياء المغربية الخاصة ،من تكون ؟ وهل هي التي تكون قد أنزلت بزولة الرحمة والتودد بين الحزبين...؟ لا أنكر أنني استجبت،وإن بحرارتي الدنيا،إلى هذا التحول مستسيغا أو مبررا أو منفعلا بأثر وجدان التعاطف وليس بعقلي السياسي..على الرغم مما يبدو في هذا التعليل من نقيصة،ليست لي وحدي على كل حال، إذ كان رأيي سيكون مغايرا بالتأكيد ،لو استمر الحزبان في قطيعتهما المتبادلة. وإذ ذاك كان سيكون للسجال بينهما ،مثلا، حول رواية"محاولة عيش "للمرحوم محمد زفزاف مذاقا آخرا. قبل العودة إلى " كيمياء الأمر الواقع.."، يهمني أن أشير بالأصبع الإيجابي إلى نقطتين:
ـ الأولى ، هي عدم تبوؤ هذا التحالف صدارة الخصام الشخصاني والتنظيمي والسياسي داخل أجهزة الإتحاد الاشتراكي (التي لا ينقصها الخصام أو لنقل الصراع والاختلاف )أو هكذا أظن . وأتمنى اليوم وغدا.. .
ـ الثانية ،وقد سجلها كثيرون قبلي ،هي هذا التحول الملحوظ في تنظيم العدالة والتنمية من الطائفة إلى الحزب ؛ أي من السياسة القائمة على حدود ومطلقات الدعوة والشريعة إلى السياسة القائمة على الاحتمال البشري بما هو مصلحة وعقلانية ونسبية.هو تحول ما يزال جزئيا وفي بدايته ،ونأمل أن يترسخ أفقيا وعموديا في الحزب لما في ذلك من مصلحة على صيرورة التأهيل الديمقراطي ببلادنا..وعلى الصيرورة الإيجابية الفاعلة للحزب نفسه..إذ أن معضلة الإسلام السياسي ،في السياسة كما في الأخلاق ،ليست في عدم قبول الآخرين باختلافه ..ولكن في عدم قبوله باختلاف الآخرين..
كيمياء الأمر الواقع ،عندي ،هو هذه المفارقة والالتباس الحاكمان والمتحكمان في صيرورة المغرب السياسي منذ الاستقلال (وقبله طبعا)والكابحان ،من ثمة ،للاستواء والاشتغال السياسي الطبيعي لتمثيلية التعددية الحزبيةـ السياسية في الحكومة كما في الجهات والجماعات المحلية.من هنا ، قوة ودلالة وانعطافة مفاهيم ووقائع مثل "التناوب التوافقي"و"الانتقال الديمقراطي".لما دخل الإتحاد الاشتراكي إلى تدبير الشأن الحكومي بالوزير الأول،الكاتب الأول للحزب الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي في مارس 1998 . ولما كانت السياسة هي علامة التحول القوية في هذا الدخول..فقد أمست (= السياسة) بالأسف ، هي كعب إخيل ..،هل نقول الخروج ؟ غير صحيح لحد الآن..هل نقول نهاية الانتقال الديمقراطي ؟ غير صحيح أيضا..حتى وإن صار لهذا الانتقال قبرا مجهولا بلغة ذ حسن طارق ذات مقالة جميلة..هل هذه الأغلبية التي ما تزال تدب في الحكومة حتى وقد بلغت من الوهن عتيا كسيحا أحالها إلى أقلية بالغرفة الثانية ..وبالمقابل فيتامينا صير المعارضة أغلبية..؟ نجازف بالرأي : نعم، هذا صحيح.لقد كانت هذه الأغلبية طبيعية ومقبولة ،في البداية،بمنطق التوافق الذي يؤهل إلى تناوب طبيعي مسنود بتمثيلية انتخابية حزبية متكتلة..متمايزة..هذا لم يحصل بالأسف خلال الانتخابات التشريعية ل2002 التي كدر مآلها السياسي : هل إلحاح حزب الاستقلال على "النوبة"على الوزارة الأولى حتى وهو في المرتبة الثانية ؟ هل استمرار الإتحاد الإشتراكي في الحكومة حتى وهو يحتج بعدم احترام المنهجية الديمقراطية..؟ هل إقدام جلالة الملك على تعيين وزير أول غير متحزب درءا لذيول الصراع بين الحزبين (أي الإتحاد والاستقلال) حتى والدستور يمنحه الحق والحرية في التعيين..؟ هل كل هذا مجتمعا ،متضافرا ؟؟ لست أدري.إنما مع نتائج الانتخابات التشريعية ل2007 ،يمكن فهم و تفهم غضب الإتحاد الإشتراكي على مرتبته المتراجعة ،وكأنه وحده من يجب أن يؤدي ،ذاتيا وموضوعيا وتنظيميا وفكريا..ثمن انتقال استحال معطوبا بفعل هذه الكيمياء المغربية الخاصة..ولعل من العلامات الإيجابية المسجلة لصالح المؤتمر الثامن للحزب هي نجاح الأخير في امتحان هذا الثمن ..ولو أنه نجاح من دون ميزة. لكن ظهور حزب الأصالة والمعاصرة (الوافد الجديد بالقاموس الاتحادي )،ثم الكوابيس السوداء التي صاحبت وتلت الانتخابات الجماعية ليونيو2009 أكدت للإتحاد الإشتراكي ،كما لغيره من الغيورين على هذا البلد ،مظاهر الردة والعبث و الاختناق في الحقل السياسي المغربي ..،ومع ذلك واصلت ،النية السياسية الحسنة للحزب ،اللعب في التشكيلة الواهنة للحكومة..(وهناك من يقول ،طبعا ،بفيروس النية في الإستوزار داخل بعض أطر الحزب ..وهذا رأي أختلف معه ..ومع ذلك أحترم الطوية السياسية النبيلة لأهله داخل الحزب..). وهنا ،يجدر بنا أن نتساءل : هل كان من داع جارف لتأسيس حزب الأصالة والمعاصرة (من الناحية السياسية وليس من ناحية أخلاق الحرية )،مع كامل احترامي لجمعية "حركة لكل الديمقراطيين"،غير عدم الثقة في أهلية فاعلي حركية المغرب السياسي اليوم كما بالأمس..؟ هل كان على جلالة الملك وعلى صديقه أن يحولا دون تاسيس حزب قد يدعو (ولقد دعا فعلا)إلى إثارة وبث الشك والتوجس والفرقة في واقع حزبي ـ سياسي لا نحسد على انحساره و تشظيه..؟ وفعلا ما هي القيمة السياسية التي أضافها هذا الحزب للمغرب السياسي عدا تجميع النخب ـ السائدة أصلا ـ بجاذبية المصلحة الخاصة..وبالتطلع الصادق أو المتملق إلى "الاستجابة "لصوت الملكية في شخص صديقها ،حتى مع تسليمنا التام بحياد جلالة الملك ،وحسن نية صديقه ؟ ألم يكن من الممكن ترك الحزبية المغربية الكائنة تصنع ـ بحرية لكن بصرامة مراقبة ليست بالعزيزة على إدارتنا الترابية ـ من يوافقها ويمثلها في تدبير المصالح اليومية للمواطن..وأما المصالح الإستراتيجية والمؤسساتية العليا للوطن فهناك ملك يحميها ؟
هذا برأيي هو مربط الخطأ في تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة..سيما وأن هذا الحزب انحاز في تكوينه إلى "وضع" أعيان المال والصناعة والبادية وبعض نخب اليسار في نفس القفة..ضد "خصم" لم نجرب لا فوائده التخليقية التي نتمناها كلنا..و لا مخاطره ومزالقه التي نملك زمام تفاديها..فهل بهذا الصنيع (أي تكوين حزب الأصالة والمعاصرة يمكن أن نفترض أن دولتنا تضمر عجزا فادحا أمام هذا الخصم الإسلاموي الكائن والمحتمل؟ لا أتمنى أن يصح هذا الافتراض..حتى مع تسليمنا بالخطاب المحافظ والمهادن للعدالة والتنمية اتجاه الملكية..ومع ذلك ،نتساءل هل تتوجس الدولة أكثر من المسكوت التقليداني لهذا المكون الإسلاموي المحافظ ؟ إن صح هذا التساؤل ،لماذا لا تنحاز دولتنا جهرا وتصميما إلى قوى التحديث والحداثة وهي وحدها (أي الدولة)من يملك السلطة الشرعية والمادية لحماية الوطن من جهالة ومجاهل التطرف الديني ؟ أم أن الأمر ،ببساطة،هو سلطة الوضع القائم لدولتنا التي ما يزال يصعب علي صيرورتها الفكاك من الازدواجية البنيوية لسلطانها على التقليد والتحديث معا..أو الأصالة والمعاصرة بصيغة أخرى..؟ ثم من غير سلطان الدولة بالقادر ،فعلا،على درء مضار التقليد..مع جلب وحتى ريادة منافع ومظاهر التحديث..؟سلطان مثل هذا لابد لشرعيته أن تكون قاهرة لإندفاعة التقليد والحداثة معا..وأن تكون شرعيته قاهرة لابد لها من الجمع بين كاريزما الدين والدنيا..المثال والتاريخ..هذا وضع قائم..كما هو قائم ،أيضا،قوى وعلاقات التقليد التي ما تزال عندنا كاسرة كابحة بالرغم من كل مظاهر التحديث..لهذا،ربما،ينوس حديث نخبتنا عن الإصلاح الدستوري بين مطلبي التغيير والتأويل..أو بلغة ذ عبد الله العروي بين "صراع على الدستور أم صراع في الدستور"..حيث يميل علمنا الكبير ،كما غيره من نخبنا الفكرية والسياسية النزيهة ،إلى مطلب التأويل الديمقراطي البرلماني أو الصراع في الدستور. متوخيا أن " يظل الملك مرجعا ضروريا ، لا كأمير بل كإمام ". أستطيع أن أعود لأستنتج أن دولتنا لم تكن في حاجة إلى هذا الحزب الجديد..إلا إذا كانت تنطوي على سوء الظن..أو سوء الفهم والتقدير..،وعليه كان يمكن نصح هذا الصديق المواطن النبيل بمنع تأسيس ما يحيل على الغيرة الزائدة على الملكية وكأنها كانت على مرمى حجر من تداعيها.تحالف الإتحاد الإشتراكي والعدالة والتنمية لتكوين المكاتب الجماعية لبعض المدن ـ بصرف النظر عن حسابات الربح والخسارة..بين الحزبين نفسيهما..ـ يبدو موضوعيا ،إذن،كآلية حزبية مغربية مناضلة ب"المعقول"..ولأجله..هذا التعبير الدارج الذي استخدمه ذ محمد الطوزي بشأن تحالف الحزبين لا يكثرت بالإيديولوجية و تمايزاتها ..حتى بالنسبة لذهنية الأصوات التي ساندت أو تعاطفت مع الحزبين..هل يصح هذا ؟؟ ثم هل خطر ببال هذه الأصوات أن مصيرها إلى التحالف بين خصمين لذوذين ؟؟
نتساءل ،رغم ما سبق، أو بسبب ما سبق..،هل تحالف الحزبان سيظل مرحليا جزئيا ..أم هو في بداية الطريق ليصير استراتيجيا كليا ؟؟ وهل يشكل هذا التحالف الجماعي الجزئي ،فعلا، حالة شاذة ومثيرة للاستغراب ،إذا استحضرنا الوقائع التي سبقته وتلته:
ـ تحالف اليمين بكل أنواعه..مع اليسار بكل فصائله الإنتخابية أمر مغربي جاري ومألوف الهجانة..ناهيك عن التحالف في المنظمات النقابية وماشابهها ـ الضمور التمثيلي ل"حلفاء" الإتحاد الإشتراكي من اليسار..،وله نفسه خاصة بالمدن..،ومن الكتلة ..إضافة إلى النتائج المتشظية للانتخابات ، يجعل من الصعب جدا العثور على تحالف طبيعي مهما كان لونه ..،في مجالسنا الجماعيةـ الحرية التي خولتها قيادة الإتحاد الإشتراكي للفروع والأقاليم في نسج التحالفات التي تقتضيها عين المكانـ تحول المعارضة إلى أغلبية بالغرفة الثانية ..لا يهم ويسائل ،فقط ،موقع وموقف الإتحاد الإشتراكي في الأغلبية..والعدالة والتنمية في المعارضة..، ولكن يهم ويسائل مواقع ومواقف التشكيلة الحزبية المنتخبة برمتها..أو يهم ويسائل ،بصيغة أخرى ، أزمة الحزبية المغربية. ثم ما معنى الشذوذ والاستغراب ..في تحالف الإتحاد الإشتراكي والعدالة والتنمية ؟ إذا كانت البوصلة ـ المرجعية السياسية للبام هي نفسها هذا التوليف المتردد والكابح لل "إزدواجية البنيوية "للدولة المغربية في الجمع بين التقليد والمعاصرة طيلة زمن الاستقلال وما تزال..أقول ،هنا،التقليد وليس الأصالة..فما أحوج معاصرتنا وحداثتنا إلى التأصيل والأصالة . وإذا كانت مرجعية هذا البام ،تاليا،تريد الجمع أو بالأحرى التلفيق بين الصالح في الأصالة..والنافع في المعاصرة..أو بين نسخة منقحة من العدالة والتنمية(الأصالة..) والإتحاد الإشتراكي(المعاصرة..) في نفس الآن.. وإذا كانت ثنائية التقليد والمعاصرة ما تزال تخترق البنية الذهنية والسلوكية ، في وعي ولاوعي ،بالتفاوت طبعا،كل الأحزاب المغربية. نستطيع أن نستنتج أن تحالف الإتحاد الإشتراكي والعدالة والتنمية لا يمثل في مشهد تركيبة مجالسنا الجماعية حالة شاذة وغريبة..إنه فقط تحالف جزئي يريد أن يعكس أو يعبر عن رد فعل سياسي خاص..عن رسالة سياسية ما..ولئن تم ترسيخ الوعي والعمل به ،في الحزبين معا،كتحالف في أخلاق السياسة ،وليس في مرجعيات الإيديولوجيا..فسيكون مدخلا طبيعيا صلبا للاختلاف المغربي الخلاق والمتداول على خدمة المواطن،سيما والسياسة كما نفهمها برنامج مفصل وعملي للمصلحة العامة.تبقى الإشارة المؤسفة إلى تشظي وتضخم الحزبية المغربية ،وهذه وضعية قائمة يقول حزب البام أنه جاء ليحاربها بالتلخيص والاختزال..لكنه أفلح أكثر في لم الأعيان والنخب ..عوض التنظيمات..فهل نقول مع هذه النتيجة أن تكتيل المشهد الحزبي المغربي لم يحن وقته بعد،بسبب طغيان المصالح الفئوية والشخصية..؟وأن تشظيه ما يزال عصيا على الإرادوية الفوقية مهما كان مصدر سلطتها ؟ التكتل الحزبي ،إذن،هو الجدار الأخير لمستقبل السياسة ببلادنا.
وأما عن هذا الحديث المكرور عن العزوف السياسي ( وعن اضطلاع حزب البام ،أيضا ،بدور محاربته..)فأقول مجددا أن الأمر لا يتعلق بجفاف أعقب مطرا سياسيا غزيرا..أو أنه ،أي هذا العزوف،جاء ضد مجرى اللعب السياسي الكثيف..إن حديثنا المزمن عن العزوف الذي "كشفته " الانتخابات التشريعية ل2007 ما هو،برأينا،إلا وهما أو مشجبا نعلق عليه بؤس السياسة عندنا ..وتمادينا ،تاليا، في لعب سياسة البؤس..فالمصوتون من جمهور البادية وأحزمة الفقر و الهشاشة بالمدن ل ايعملون بأميتهم السياسية إلا على المزيد من تفقير السياسة..والعازفون وعيا ـ خاصة ـ أو دونه ، يساهمون في إحباط السياسة الممكنة.. ولكم يصدق على حالنا قول العروي أننا نتكلم عن السياسة كثيرا ،ولكننا نمارسها قليلا..وعلى كل حال فالعزوف ،عندنا، يعود أكثر إلى استمرار غربة التربية السياسية المواطناتية بفعل صيرورة كيمياء الأمر الواقع التي تمثل وتنوب عن الكل..والتي يرى فيها هذا الكل السائد وجوده ومشيئته..
وأما عن هذا الحديث المكرور عن العزوف السياسي ( وعن اضطلاع حزب البام ،أيضا ،بدور محاربته..)فأقول مجددا أن الأمر لا يتعلق بجفاف أعقب مطرا سياسيا غزيرا..أو أنه ،أي هذا العزوف،جاء ضد مجرى اللعب السياسي الكثيف..إن حديثنا المزمن عن العزوف الذي "كشفته " الانتخابات التشريعية ل2007 ما هو،برأينا،إلا وهما أو مشجبا نعلق عليه بؤس السياسة عندنا ..وتمادينا ،تاليا، في لعب سياسة البؤس..فالمصوتون من جمهور البادية وأحزمة الفقر و الهشاشة بالمدن ل ايعملون بأميتهم السياسية إلا على المزيد من تفقير السياسة..والعازفون وعيا ـ خاصة ـ أو دونه ، يساهمون في إحباط السياسة الممكنة.. ولكم يصدق على حالنا قول العروي أننا نتكلم عن السياسة كثيرا ،ولكننا نمارسها قليلا..وعلى كل حال فالعزوف ،عندنا، يعود أكثر إلى استمرار غربة التربية السياسية المواطناتية بفعل صيرورة كيمياء الأمر الواقع التي تمثل وتنوب عن الكل..والتي يرى فيها هذا الكل السائد وجوده ومشيئته..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق